كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {قوم منكرون} أي غرباء لا أعرفهم قال ذلك في نفسه كما قاله ابن عباس خبر مبتدأ مقدّر أي هؤلاء. وقيل: إنما أنكر أمرهم؛ لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان وقال أبو العالية: أنكر إسلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
{فراغ} أي ذهب في خفية من ضيفه، فإنّ من آداب المضيف أن يبادر بالقرى حذرًا من أن يكفه الضيف أو يصير منتظرًا {إلى أهله} أي الذين عندهم بقرة {فجاء بعجل} أي فتى من أولاد البقر لأنه كان عامة ماله البقر {سمين} قد شواه وأنضجه كما قال تعالى في سورة هود {حنيذ} (هود:) أي: مشوي.
{فقرّبه إليهم} بأن وضعه بين أيديهم ليأكلوا فلم يأكلوا {قال ألا تأكلون} والهمزة إمّا للإنكار عليهم في عدم أكلهم، وإمّا للعرض وإمّا للتحضيض فلم يجيبوا.
{فأوجس} أي أضمر في نفسه {منهم خيفة} لما رأى إعراضهم على طعامه لظنه أنهم جاؤوه لشرّ. وقيل: وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا بعذاب فلما عرفوا منه ذلك {قالوا} مؤنسين له {لا تخف} وأعلموه أنهم رسل الله {وبشروه بغلام} يأتيه على شيخوخته ويأس امرأته بالطعن في السنّ بعد عقمها وهو إسحاق عليه السلام {عليم} أي مجبول جبلة مهيأة للعلم ولا يموت حتى يظهر علمه بالفعل في أوانه، فإنّ جميع الأنبياء بعده من ذريته إلا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنه من ذرية إسماعيل عليه السلام.
تنبيه:
ذكر هاهنا من آداب الضيافة تسليم المضيف على الضيف ولقاءه بالوجه الحسن والمبالغة في الإكرام بقوله سلام وهو آكد وسلامهم بالمصدر في قوله سلام بالرفع زيادة على ذلك ولم يقل سلام عليكم، لأنّ الامتناع من الطعام يدل على العداوة، والغدر لا يليق بالأنبياء فقال: سلام أي امرئ مسالمة ثم فيها من آداب المضيف تعجيل الضيافة فإنّ الفاء في قوله فراغ تدل على التعقيب وإخفائها.
لأن الروغان يقتضي الإخفاء وغيبة المضيف عن الضيف ليستريح ويأتي بما يمنعه الحياء منه ويخدم الضيف بنفسه ويختار الأجود لقوله سمين، ويقدّم الطعام للضيف في مكانه ولا ينقل الضيف للطعام لقوله قربه إليهم، ويعرض الأكل عليه ولا يأمره لقوله تعالى: {قال ألا تأكلون} ولم يقل كلوا وسروره بأكله لا كما يوجد في بعض البخلاء الذين يحضرون طعامًا كثيرًا، ويجعل نظره ونظر أهل بيته إلى الطعام حتى يمسك الضيف يده عنه لقوله تعالى: {فأوجس منهم خيفة} لعدم أكلهم.
ومن آداب الضيف إذا حضر الطعام ولم يكن يصلح له لكونه مضرًّا به أو يكون ضعيف القوّة عن هضم ذلك الطعام أن لا يقول هذا طعام غليظ لا يصلح لي بل يأتي بعبارة حسنة ويقول: فيّ مانع من أكل الطعام لأنهم أجابوه بقولهم {لا تخف} ولم يذكروا في الطعام شيئًا ولا أنه يضر بهم بل بشروه بالولد إشعارًا بأنهم ملائكة وبشروه بالأشرف وهو الذكر، حيث فهموه أنهم ليسوا ممن يأكلون ثم وصفوه بالعلم دون المال والجمال؛ لأنّ العلم أشرف الصفات ثم أدب آخر في البشارة وهو أن لا يخبر الإنسان بما يسرّه دفعة واحدة لأنه يورث مرضًا لأنهم جلسوا واستأنس بهم إبراهيم ثم قالوا نبشرك فإن قيل: قال تعالى في سورة هود {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} (هود:) فدل على أنّ إنكاره، حصل بعد تقريب العجل إليهم وههنا قال: {فقالوا سلامًا قال سلام قوم منكرون} ثم قال: {فراغ إلى أهله} بفاء التعقيب وذلك يدل على أنّ تقريب الطعام منهم بعد حصول إنكاره فما وجهه؟
أجيب بأن يقال لعلهم كانوا مخالفين لصفة الناس في الشكل والهيئة ولذلك قال: {قوم منكرون} أي عند كل أحد واشترك إبراهيم عليه السلام وغيره فيه ولهذا لم يقل أنكرتم بل قال: أنتم منكرون في أنفسكم عند كل أحد منا، ثم لما امتنعوا من الطعام تأكد الإنكار لأنّ إبراهيم تفرّد بمشاهدة إمساكهم فنكرهم فوق الإنكار الأوّل وحكاية الحال في سورة هود أبسط مما ذكره ههنا، فإنه هنا لم يبين المبشر به وهناك ذكره باسمه وهو إسحاق وههنا لم يقل إنّ القوم قوم من، وهناك قال: قوم لوط.
ولما كانا بعيدين عن قبول الولد تسبب عن ذلك قوله تعالى دالًا على أنّ الولد إسحاق مع الدلالة على أنّ خفاء الأسباب لا يؤثر في وجود المسببات.
{فأقبلت} أي: من سماع هذا الكلام {امرأته} سارة قيل: لم يكن ذلك إقبالًا من مكان إلى مكان بل كانت في البيت، فهو كقول القائل: أقبل يفعل كذا إذا أخذ فيه وقوله تعالى: {في صرّة} أي: صيحة حال، أي: جاءت صائحة لأنها قد امتلأت عجبًا {فصكت} قال ابن عباس: لطمت {وجهها} واختلف في صفته فقيل: هو الضرب باليد مبسوطة وقيل: هو ضرب الوجه بأطراف الأصابع فعل المتعجب، وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئًا، وأصل الصك ضرب الشيء بالشيء العريض. وقيل: جمعت أصابعها وضربت جبهتها عجبًا وذاك من عادة النساء أيضًا إذا أنكرن شيئًا {وقالت} تريد أن تستبين الأمر هل الولد منها أو من غيرها {عجوز} قال القشيري: قيل إنها كانت يومئذ ابنة ثمان وتسعين سنة ومع ذلك {عقيم} فهي حال شبابها لم تكن تقبل الحبل فلم تلد قط.
ولما قالت ذلك قالوا مجيبين لها.
{قالوا كذلك} أي مثل ما قلنا من هذه البشرى العظيمة {قال ربك} أي المحسن إليك بتأهيلك لذلك على ما ذكرت من حالك وبتأهيلك من قبل الاتصال بخليله صلى الله عليه وسلم {إنه هو} أي: وحده {الحكيم} أي: الذي يضع الأشياء في أحق مواضعها {العليم} المحيط العلم، فهو لذلك لا يعجزه شيء.
ثم بين سبحانه وتعالى ما كان من حال إبراهيم وحال الملائكة بعد ذلك بقوله تعالى.
{قال} أي إبراهيم عليه السلام مسببًا عما رأى من حالهم وأنّ اجتماع الملائكة على تلك الحالة لم يكن لهذه البشارة فقط {فما خطبكم} أي: خبركم العظيم {أيها المرسلون} أي لأمر عظيم وهذا أيضًا من آداب المضيف إذا بادر الضيف بالخروج قال له: ما هذه العجلة وما شأنك لأنّ في سكوته ما يوهم اشتغاله، ثم إنهم أتوا بما هو من آداب الصديق الذي لا يسرّ عن الصديق شيئًا وكان ذلك بإذن الله تعالى لهم في إطلاع إبراهيم عليه السلام على إهلاكهم وجبر قلبه بتقديم البشارة بأبي الأنبياء إسحاق عليه السلام.
فإن قيل: فما الذي اقتضى ذكره بالفاء ولم لا قال: ما هذا الاستعجال وما خطبكم المعجل لكم. أجيب: بأنه لما أوجس منهم خيفة لو خرجوا من غير بشارة وإيناس فلما آنسوه قال: فما خطبكم، أي: بعد هذا الأنس العظيم ما هذا الإ يحاش الأليم.
{قالوا} قاطعين بالتأكيد بأنّ مضمون خبرهم حتم لابد منه ولا مدخل للشفاعة فيه {إنا أرسلنا} أي: بإرسال من تعلم {إلى قوم مجرمين} أي: هم في غاية القوّة على ما يحاولونه، وقد صرفوا ما أنعم الله تعالى به عليهم من القوّة في قطع ما يحق وصله، ووصل ما يحق قطعه يعنون قوم لوط.
{لنرسل عليهم} أي: من السماء التي فيها ما وعد العباد به وتوعدوا {حجارةً من طين} أي: مهيأ للإحراق والاحتراق.
{مسوّمة} أي: معلمة بعلامة العذاب المخصوص عليها اسم من يرمي بها وقوله تعالى: {عند ربك} أي: المحسن إليك بهذه البشارة وغيرها ظرف المسوّمة، أي: معلمة عنده {للمسرفين} أي: المتجاوزين الحدود غير قانعين بما أبيح لهم فالمسرف المتمادي ولو في الصغائر، فهم مجرمون أي: مسرفون. والمجرم قال ابن عباس: هو المشرك لأنّ الشرك أعظم الذنوب.
وهنا لطيفة: وهي أنّ الحجارة سوّمت للمصرّ المسرف الذي لا يترك الذنب في المستقبل وذلك إنما يعلمه الله تعالى فلذلك قال: {عند ربك للمسرفين}.
ولما كان الإجرام ظاهرًا قالوا {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} واللام في المسرفين لتعريف العهد أي لهؤلاء المسرفين إذ ليس لكل مسرف حجارة مسوّمة، وإسرافهم بأنهم أتوا بما لم يسبقهم به أحد من العالمين وفي هذا دليل على رجم اللائط، والفائدة في إرسال جماعة من الملائكة لهذا الأمر وإن كان يكفي فيه الواحد منهم إذ الملك العظيم قد يهلك بالأمر الحقير كما أهلك النمروذ بالبعوض، وكما أهلك فرعون بالقمل والجراد بل بالريح التي بها الحياة إظهارًا للقدرة، وقد تكثر الأسباب كما في يوم بدر أمر خمسة آلاف من الملائكة بإهلاك أهل بدر مع قلتهم إظهارًا لعظيم قدرته.
تنبيه:
قوله تعالى: {من طين} أي ليس من البرد والفاعل لذلك هو الله تعالى لا كما تقول الحكماء فإنهم يقولون: إنّ البرد يسمى حجارة فقوله تعالى: {من طين} يدفع ذلك التوهم قال الرازي: إن بعض من يدّعي العقل يقول لا ينزل من السماء إلا حجارة من طين مدوّرات على هيئة البرد وهيئة البنادق التي يتخذها الرماة قالوا: وسبب ذلك أنّ الإعصار تصعد الغبار من الفلوات العظيمة التي لا عمارة فيها والرياح تسوقها إلى بعض البلاد ويتفق ذلك إلى هواء ندي فيصير ذلك طينًا رطبًا، والرطب إذا نزل وتفرّق استدار، بدليل أنك إذا رميت الماء إلى فوق ثم نظرت إليه رأيته يقطر كرات مدوّرات كاللآلىء الكبار، ثم في النزول إن اتفق أن تضربه النيران التي في الجوّ جعلته حجارة كالآجر المطبوخ فينزل فيصيب من هيأ الله تعالى هلاكه، وقد ينزل كثيرًا في المواضع التي لا عمارة بها فلا يرى ولا يدري به فلهذا قال: {من طين}، لأنّ ما لا يكون من طين كالحجر الذي يكون في الصواعق لا يكون كثيرًا بحيث يمطر وهذا تعسف، لأنّ ذلك الإعصار لما وقع فإن وقع لحادث آخر لزم التسلسل ولا بدّ من الانتهاء إلى محدث ليس بحادث فذلك المحدث لابد وأن يكون فاعلًا مختارًا، والمختار له أن يفعل ذلك وله أن يخلق الحجارة من طين على وجه آخر من غير نار ولا غبار لكن العقل لا طريق له إلى الجزم بطريق إحداثه، وما لا يصل العقل إليه لا يؤخذ إلا بالنقل والنص ومن المعلوم أنّ نزول حجارة الطين من السماء أغرب وأعجب من غيرها.
ولما أراد الله تعالى أن يهلك المجرمين ميز المؤمنين بقوله تعالى: {فأخرجنا} أي: بما لنا من العظمة بعد أن ذهبت رسلنا إليهم ووقعت بينهم وبين لوط عليه السلام محاورات معروفة لم يدع الحال هنا إلى ذكرها {من كان فيها} أي: قرى قوم لوط {من المؤمنين} أي: المصدّقين بقلوبهم لأنا لا نسوّيهم بالمجرمين فخلصناهم من العذاب على قلتهم وضعفهم وقوّة المخالفين وكثرتهم.
{فما وجدنا فيها} أي: تلك القرى، أسند الأمر إليه تشريفًا لرسله وإعلامًا بأنّ فعلهم فعله تعالى {غير بيت} أي: واحد وهو بيت ابن أخي إبراهيم عليهما السلام، وقيل: كانت عدّة الناجين منهم ثلاثة عشر {من المسلمين} أي: العريقين في إسلام الظاهر والباطن لله تعالى من غير اعتراض أصلًا، وهم إبراهيم وآله عليهم السلام وإنهم أوّل من وجد منهم الإسلام الأتم وتسموا به كما مرّ في سورة البقرة، وسموا به أتباعهم فكان هذا البيت الواحد صادقًا عليه الإيمان الذي هو التصديق والإسلام الذي هو الإنقياد قال البغوي: وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعًا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم يعني لما بينهما من التلازم وإن اختلف المفهومان، وقال الأصفهاني: وقيل: كان لوط وأهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشر وقيل: هم لوط وابنتاه وصفوا بالإيمان والإسلام أي هم مصدّقون بقلوبهم عاملون بجوارحهم الطاعات.
تنبيه:
في الآية إشارة إلى أنّ الكفر إذا غلب والفسق إذا فشا لا تنفع معه عبادة المؤمنين، بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة وفيهم شرذمة يسيرة يسرقون ويزنون ومثاله: أنّ العالم كالبدن، ووجود الصالحين كالأغذية الباردة والحارة والسموم والواردة عليه الضارة، ثم إنّ البدن إذا خلا عن النافع وفيه الضار هلك وإن خلا عن الضار وفيه النافع طاب ونما، وإن وجدا فيه معًا فالحكم للأغلب، وإطلاق الخاص على العام لا مانع منه لأنّ المسلم أعم من المؤمن، فإذا سمى المؤمن مسلمًا لا يدل على اتحاد مفهوميهما فكأنه تعالى قال: أخرجنا المؤمنين فما وجدنا الأعم منهم إلا بيتًا من المسلمين، ويلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين.
{وتركنا} أي: بما لنا من العظمة {فيها} أي تلك القرى بما أوقعنا بها من العذاب {آية} أي علامة عبرة على هلاكهم كالحجارة أو الماء المنتن، فإنا قلعنا قراهم كلها وصعدت في الجوّ كالغمام إلى عنان السماء ولم يشعر أحد من أهلها بشيء من ذلك ثم قلبت واتبعت بالحجارة ثم خسف بها وغمرت بالماء الذي لا يشبهه شيء من مياه الأرض، كما أنّ جنايتهم لم تكن تشبه جناية أحد ممن تقدّمهم من أهل الأرض {للذين يخافون العذاب الأليم} أي: أن يحل بهم كما حل بهذه القرى في الدنيا من رفع الملائكة لهم في الهواء الذاري إلى عنان السماء وقلبهم وإتباعهم الحجارة المحرقة، وغمرهم بالماء المناسب لفعلهم بنتنه وعدم نفعه، وما ادّخر لهم في الآخرة أعظم وخص الذين يخافون بالذكر لأنهم المعتبرون بها. وقوله تعالى:
عطف على قوله تعالى: {فيها} بإعادة الجار، لأنّ المعطوف عليه ضمير مجرور فيتعلق بتركنا من حيث المعنى ويكون التقدير وتركنا في قصة موسى آية {إذ أرسلناه} أي: بمالنا من العظمة {إلى فرعون بسلطان مبين} أي بحجة واضحة وهي معجزاته الظاهرة كاليد والعصا ومع ذلك لم ينتفع بها، ولذلك سبب عنها وعقب بها قوله تعالى: {فتولى} أي: كلف نفسه الإعراض عنها بعدما دعاه علمها إلى الإقبال إليها وأشار إلى قواه بقوله تعالى: {بركنه} أي: بسبب ما يركن إليه من القوّة في نفسه وبأعوانه وجنوده، لأنهم له كالركن وقيل: بجميع بدنه كناية عن المبالغة في الإعراض {وقال} معلمًا بعجزه عما أتاه به وهو لا يشعر {ساحر} ثم ناقض كمناقضتكم فقال بجهله عما يلزم على قوله: {أو مجنون} أي: لاجترائه علىّ مع مالي من عظيم الملك بمثل هذا الذي يدعو إليه.
تنبيه:
أو هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشك نزل نفسه مع أنه يعرفه نبيًا حقًا منزلة الشاك في أمره تمويهًا على قومه، وقال أبو عبيدة: أو بمعنى الواو قال: لأنه قد قالهما قال تعالى: {إنّ هذا لساحر عليم} (الأعراف:) وقال في موضع آخر {إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} (الشعراء:) وردّ الناس عليه هذا وقالوا: لا ضرورة تدعو إلى ذلك وأمّا الآيتان فلا تدلان على أنه قالهما معًا في آن واحد، وإنما يفيدان أنه قالهما أعمّ من أن يكونا معًا، أو هذه في وقت وهذه في آخر.
ولما وقعت التسلية بهذا للأولياء قال تعالى محذرًا للأعداء.
{فأخذناه} أي: أخذ غضب وقهر بعظمتنا وقوله تعالى: {وجنوده} يجوز أن يكون معطوفًا على مفعول أخذناه وهو الظاهر وأن يكون مفعولًا معه.
{فنبذناهم} أي: طرحناهم طرح مستهين بهم كما تطرح الحصيات {في اليمّ} أي: البحر الذي هو أهل لأن يقصد بعد أن سلطنا الريح عليه فغرقته لما ضربه موسى عليه السلام بعصاه ونشفت أرضه وأيبست ما أبرزت فيه من الطرق لنجاة أوليائنا وهلاك أعدائنا {وهو} أي والحال أنّ فرعون {مليم} أي آت بما يلام عليه من تكذيب الرسول ودعوى الربوبية وغير ذلك.
ثم ذكر تعالى قصصًا أخر تسلية لنبينا صلى الله عليه وسلم إحداها: قوله تعالى: {وفي عادٍ} أي: إهلاكهم وهم قوم هود عليه السلام آية عظيمة {إذ} أي حين {أرسلنا} بعظمتنا {عليهم الريح} فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تدر الرمل وترمي بالحجارة كما مرّت الإشارة إليه على كيفية لا تطاق {العقيم} أي التي لا خير فيها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور.
ثم بين عقمها وإعقامها بقوله تعالى: